القَبولُ مدارُ الأعمالِ الصّالحةِ

}وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{ سورة البقرة، آية: 127.

تحدّثنا الآيةُ عن حالةِ إبراهيمَ وإسماعيلَ -عليهما السّلام- عندَ رفعهِما القواعدَ من البيتِ ، واستمرارِهما على هذا العمل العظيم، فقد جمعا عليهما السّلامُ – بينَ الخوفِ والرّجاءِ، حتّى إنّهما دعوا اللّه -عزّوجلّ- أن يتقبّل منهما عملهما. وقَبولُ اللّهِ للعملِ يعني : أنْ يرضاه ويثيب فاعله عليه.

والابتداء في الدّعاء بندائهما -سبحانه- باسم الرّبّ ؛ لإظهار الخضوع والافتقار إليه ، وهذا من أسمى الآداب الّتي تجعل الدّعاء قريباً من الاستجابة.

وقد خُتم الدّعاء في الآية السّابقة باسمين عظيمين من أسماء اللّه الحسنى ، ليؤكّدا أنّ رجاءَهما في استجابةِ دعائهما وثيق ، وأنّ ما عملاه ابتغاء مرضاة اللّه جدير بالقبول ، فمن كان سمعياً عليماً بنيّات الدّاعين وصدق ضمائرهم ، كان باستجابةِ دعاء المخلصين في طاعته غير بعيد.

فهذه الدعوة المباركة ذكرت مطلباً عظيماً لا غنى عنه للعبد في أمور دينه ودنياه ، وهو سؤال اللَّه تعالى القَبول في الأعمالِ والأقوالِ ، ‏ففي دعائه سأل اللّه القبول له ولابنه إسماعيل -عليهما السلام-: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

وفي هذا تنبيه للعبد أنْ يستحضر هذا المعنى دوماً وأبداً عند دعائه ومناجاته للّه عزّ وجلّ ، ‏والعبدُ يتأسّى بهما بهذه المقاصد والمطالب الجليلة من إخلاص العمل للَّه تعالى، وما يحمل الدّعاء في طيّاته من جميل المعاني من الخوف، والرجاء، ‏والرّغبة، والرهبة.

وتأمّل في شأنهما -عليهما السّلام-: يقومان بأجلّ الأعمال وأرفعها بإذْنٍ من ربّهما تعالى ، وهما يسألان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا}، فتأمّل كيف كان حالهما من الخوفِ ألاّ يُتقبّل عملهما؟!.

فإذا كان هذا حال إمام الحنفاء، وقدوة الموحّدين، ‏فكيف بحالنا وتقصيرنا؟.

وعن وهيب بن الورد أنّه قرأ: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا}، ثمّ يبكي ويقول : يا خليل الرّحمن، ترفع قوائم بيت الرّحمن وأنتَ مُشفق أنْ لا يتقبل منك؟ [تفسير ابن كثير، 1/ 254].

وهذه سمةُ المؤمنينَ المخلصين كما قال اللّهُ تعالى واصفاً حالهم  في قوله تعالى: {وَالَّذينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا} [المؤمنون: 60]، أي يعطون ما أعطوا من الصّدقات والنّفقات والقربات: {وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60]، أي: خائفة ألّا يُتقبّل منهم، كما جاء في الحديث أنّ عائشة -رَضْيَ اللَّهُ عنْهَا- سألت رسول ‏اللَّه ﷺ عن هذه الآية : “أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ، وَيُصَلُّونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، {أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}” [سنن الترمذي].

فعند التأمّل نجد أنّ الآية أرشدت العبد إلى ملازمة سؤال اللهِ قبول أعماله بعد أدائه لها، ومنها الدّعاء، فقد كان هذا من هدي المصطفى ﷺ: فإنّه كان يستغفر ثلاثاً بعد الصّلاة، وكان يقول بعد صلاة الصبح : “اللّهمَّ إنّي أسألك علماً نافعاً، ‏ورزقاً طيّباً، وعملاً مُتقبّلاً ” [ابن ماجه والنسائي، صححه الألباني]، وكان ﷺ يستعيذ من عمل لا يُرفع: “اللّهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن عمل لا يُرفع” [صحيح الجامع].

فاللّه اللّه في القبول، حيث إنّ مدار الأعمال الصّالحة عليه ، وذلك يقوم على الإخلاص للّهِ تعالى، والاتّباع لما جاء به الشّرع المطهّر.

محمود بربخ- فلسطين

إقرأ ايضاً

Testimonial Divider_converted

القَبولُ مدارُ الأعمالِ الصّالحةِ

}وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{ سورة البقرة، آية: 127.

تحدّثنا الآيةُ عن حالةِ إبراهيمَ وإسماعيلَ -عليهما السّلام- عندَ رفعهِما القواعدَ من البيتِ ، واستمرارِهما على هذا العمل العظيم، فقد جمعا عليهما السّلامُ – بينَ الخوفِ والرّجاءِ، حتّى إنّهما دعوا اللّه -عزّوجلّ- أن يتقبّل منهما عملهما. وقَبولُ اللّهِ للعملِ يعني : أنْ يرضاه ويثيب فاعله عليه.

والابتداء في الدّعاء بندائهما -سبحانه- باسم الرّبّ ؛ لإظهار الخضوع والافتقار إليه ، وهذا من أسمى الآداب الّتي تجعل الدّعاء قريباً من الاستجابة.

وقد خُتم الدّعاء في الآية السّابقة باسمين عظيمين من أسماء اللّه الحسنى ، ليؤكّدا أنّ رجاءَهما في استجابةِ دعائهما وثيق ، وأنّ ما عملاه ابتغاء مرضاة اللّه جدير بالقبول ، فمن كان سمعياً عليماً بنيّات الدّاعين وصدق ضمائرهم ، كان باستجابةِ دعاء المخلصين في طاعته غير بعيد.

فهذه الدعوة المباركة ذكرت مطلباً عظيماً لا غنى عنه للعبد في أمور دينه ودنياه ، وهو سؤال اللَّه تعالى القَبول في الأعمالِ والأقوالِ ، ‏ففي دعائه سأل اللّه القبول له ولابنه إسماعيل -عليهما السلام-: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

وفي هذا تنبيه للعبد أنْ يستحضر هذا المعنى دوماً وأبداً عند دعائه ومناجاته للّه عزّ وجلّ ، ‏والعبدُ يتأسّى بهما بهذه المقاصد والمطالب الجليلة من إخلاص العمل للَّه تعالى، وما يحمل الدّعاء في طيّاته من جميل المعاني من الخوف، والرجاء، ‏والرّغبة، والرهبة.

وتأمّل في شأنهما -عليهما السّلام-: يقومان بأجلّ الأعمال وأرفعها بإذْنٍ من ربّهما تعالى ، وهما يسألان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا}، فتأمّل كيف كان حالهما من الخوفِ ألاّ يُتقبّل عملهما؟!.

فإذا كان هذا حال إمام الحنفاء، وقدوة الموحّدين، ‏فكيف بحالنا وتقصيرنا؟.

وعن وهيب بن الورد أنّه قرأ: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا}، ثمّ يبكي ويقول : يا خليل الرّحمن، ترفع قوائم بيت الرّحمن وأنتَ مُشفق أنْ لا يتقبل منك؟ [تفسير ابن كثير، 1/ 254].

وهذه سمةُ المؤمنينَ المخلصين كما قال اللّهُ تعالى واصفاً حالهم  في قوله تعالى: {وَالَّذينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا} [المؤمنون: 60]، أي يعطون ما أعطوا من الصّدقات والنّفقات والقربات: {وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60]، أي: خائفة ألّا يُتقبّل منهم، كما جاء في الحديث أنّ عائشة -رَضْيَ اللَّهُ عنْهَا- سألت رسول ‏اللَّه ﷺ عن هذه الآية : “أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ، وَيُصَلُّونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، {أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}” [سنن الترمذي].

فعند التأمّل نجد أنّ الآية أرشدت العبد إلى ملازمة سؤال اللهِ قبول أعماله بعد أدائه لها، ومنها الدّعاء، فقد كان هذا من هدي المصطفى ﷺ: فإنّه كان يستغفر ثلاثاً بعد الصّلاة، وكان يقول بعد صلاة الصبح : “اللّهمَّ إنّي أسألك علماً نافعاً، ‏ورزقاً طيّباً، وعملاً مُتقبّلاً ” [ابن ماجه والنسائي، صححه الألباني]، وكان ﷺ يستعيذ من عمل لا يُرفع: “اللّهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن عمل لا يُرفع” [صحيح الجامع].

فاللّه اللّه في القبول، حيث إنّ مدار الأعمال الصّالحة عليه ، وذلك يقوم على الإخلاص للّهِ تعالى، والاتّباع لما جاء به الشّرع المطهّر.

محمود بربخ- فلسطين