من أخطر الأمراض .. المرض الخفي الذي ينتشر في الجسم دون أن يدري به صاحب الجسم، والمسلم اليوم تصيبه أمراض الحضارة وهو غافلٌ لا يدري ولا يشعر، وهي أمراض خطيرة تصيب القلب والعقل فتصرفه عن المنهج الحق، ولا يُظَن أنّ هذه الأمراض تصيب العصاة والفاسقين ولكنها لم تترك بيتًا إلّا دخلته إلّا من عصم الله. ولذلك كانت الوصية في أواخر سورة الحشر بعد الوصية بتقوى الله: “وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ”، والقوم الذين حذرنا الله من تقليدهم على أقوال المفسرين تدور بين العُصاة والكفار والمنافقين، إلّا أنّ الوصف يتوافق مع اليهود والنصارى وهذا ما فهمه الصحابة كما في الحديث: “لتتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم شِبْرًا بشبْر، وذراعًا بذراع، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْر ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ؛ قلنا: يا رسول الله اليهودُ والنَّصارى؟ قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: فَمَن؟”؛ رواه الشيخان.
واليوم حين تعاني مجتمعاتنا زيادة عدد الجرائم، علينا تحديد العلة لأن الجرائم عَرَض، ومعالجة العرض بالمسكنات لا يقضي على المرض. والعلة هي تقليد حضارة الغرب الذين حذرنا القرآن الكريم كثيرًا من تقليدهم “يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَٰنِكُمْ كَٰفِرِينَ”، وقوله تعالى: “وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُون”.
حضارة الغرب الفردية تزعم تحقيق السعادة للإنسان، لكنها سلبت الإنسان قيمته، فأصبح جسدًا بلا روح، منظرًا بلا جوهر، تُحركه المثيرات فيبحث عن اللذات لتحقيق سعادة موهومة، ولو كانت من حرام. ولا يمكن للإنسان تحقيق السعادة إلاّ إذا اتبع منهج الله، أما وقد نسي الله فقد أنساه الله نفسه، فلم يعرف حقيقتها ولا طريقة إسعادها، والإنسان لا يقدر على معرفة نفسه إلّا إذا عرف ربه، وعندما جهل منهج ربه وحاد عنه جهل طريق السعادة وحقيقتها .
حضارة الغرب جهلت حقيقة الانسان وأنه مخلوق من جسد وروح، فتعاملت مع الإنسان جسدًا بلا روح، فلم تفرق بينه وبين الحيوان، والله تعالى وصف هؤلاء بأبشع وصف “إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الذين لا يعقلون”، فالانسان عندما يركض خلف شهواته يصبح كالأنعام بل أضل سبيلًا. وما تعانيه مجتمعاتنا من ضعف وتخلف وضياع للأخلاق وانتشار للجرائم ما هو إلّا نتيجة تقليد الغرب الذي حذرنا الله من تقليده والسير على نهجه مما سبب ضعف الأمة، وكما ذكر ابن خلدون فالشعوب المغلوبة تقلد الشعوب الغالبة، وقد رأينا كيف تَعمَدُ الشعوب الغالبة على فرض ثقافتها بالترغيب والترهيب لنشر الفكر المادي العلماني، بينما منهج الله يحقق للانسان التوازن بين الجسد والروح، ويرقى بالإنسان من البهيمية ليكون فاعلًا يحقق السعادة لنفسه ومجتمعه، ليحقق الغاية التي خُلق من أجلها وهي الخلافة وعمارة الأرض، حيث إن المسلم لا يعرف الذلّ والهوان وإن تعرض للهزيمة “ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين”.
الأستاذ: إبراهيم وليد حميض/ من فلسطين